عصمة الزهراء عليها السلام New Page 2 Nano Nano Made on Update- by MaxPack موقع بضعة الرسول ع

موقع بضعة الرسول ع

تطلق كلمة المعصوم في اللغة على الممنوع المحفوظ.

وفي الإصطلاح تطلق على من لا يخطأ ولا يسهو ولا يذنب، وله بصيرة نافذة يرى من خلالها حقائق الكون بالمشاهدة والعيان. فلا عصيان ولا إثم ولا خطأ ولا سهو في ساحة وجوده المقدس، لعلاقته الوثيقة بعالم الملكوت ولتسديده الغيبي، وقد ذكروا أدلة وبراهين عقلية ونقلية لإثبات مقام العصمة الشامخ للأنبياء والمرسلين عليهم السلام.

ويعتقد الإمامية بعصمة أوصياء النبي صلّى الله عليه وآله وخلفائه ـ الأئمة الإثني عشر ـ أيضاً ويقيمون الأدلّة والبراهين على ذلك، ولا نريد التعرض لمباحث

------

الإمامة لئلا نبتعد عن محور البحث المقصود.

وكذلك ترى الإمامية عصمة الزهراء عليها السلام ـ بالإضافة إلى عصمة الأنبياء والأئمة الأطهار عليهم السلام ـ ، ويمكن الإستدلال على ذلك بعدة أدلة منها:

الأول: قوله تعالى (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)(1).

ورد في أحاديث كثيرة ـ من طرق العامة والخاصة ـ أنّها نزلت في النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام إليك نموذجاً منها:

عن عائشة قالت: خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله غداة غد وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)(2).

عن أمّ سلمة قالت: في بيتي نزلت (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) فجاءت فاطمة ببرمة فيها ثريد فقال صلّى الله عليه وآله لها: ادعي زوجك وحسناً وحسيناً فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت هذه الآية فغشاهم بكساء خيبري كان عليه فقال اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ثلاث مرّات(3).

عن عمر بن أبي سلمة قال: نزلت (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) في بيت أم سلمة، فدعا النبيّ صلّى الله عليه وآله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء ثم قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي

ـــــــــــــــ

(1) سورة الأحزاب آية 34..
(2) ينابيع المودة ص 125..
(3) ينابيع المودّة ص 125..

------

الله؟. قال: أنت على مكانك، وأنت إلى خير(1).

عن واثلة بن الأسقع قال: جاء النبي صلّى الله عليه وآله إلى بيت فاطمة ومعه علي وحسن وحسين. حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة وأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه، ثمّ لفّ عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم، ثمّ تلا هذه الآية وقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً(2).

وقد روى جماعة من الصحابة أحاديث كثيرة بهذا المضمون في شأن نزول الآية الشريفة، منهم: عائشة، أمّ سلمة، معقل بن يسار، أبو الحمراء، أنس بن مالك، سعد بن أبي وقاص، واثلة بن الأسقع، الحسن بن علي عليه السلام ، علي بن أبي طالب عليه السلام ، أبو سعيد الخدري، زينب، وابن عباس، وجماعة آخرون. وثّبتها علماء الخاصة والعامة في كتبهم مثل جلال الدين السيوطي في الدر المنثور، وسليمان بن إبراهيم القندوزي في ينابيع المودّة، وغيرهم من علماء السنة.

وحصيلة هذه الروايات أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ بعد نزول الآية ـ جعل علياً وفاطمة والحسن والحسين ـ عليهم السلام ـ تحت كسائه مراراً في عدّة مواطن (3) وتلا الآية المباركة وقال: اللّهم إنّ هؤلاء أهل بيتي طهّرهم تطهيراً. وبهذا عرّف الرسول صلّى الله عليه وآله المراد من (أهل البيت) وحدّد موضوع الآية الشريفة.

وروي أنه صلّى الله عليه وآله واظب على تلاوتها في باب الزهراء عليها السلام ستة أشهر، وفي رواية سبعة أشهر، وفي أخرى ثمانية أشهر.

فعن نافع بن أبي الحمراء قال: شهدتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله ثمانية

ـــــــــــــــ

(1) ينابيع المودّة ص 125..
(2) ينابيع المودّة ص 125..
(3) في بيت فاطمة، في بيت أمّ سلمة، وغيرها.

------

أشهر، إذا خرج إلى صلاة الغداة مر بباب فاطمة عليها السلام فقال: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)(1).

وإنما فعل النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله كل هذا ليقطع الطريق على الإنتهازيين والنفعيين لئلا يسيئوا الاستفادة من هذه الآية الشريفة، فيدعي أحد يوماً أنها نزلت فيه، واهتم بالأمر غاية الاهتمام حتى أن أم سلمة أرادت الدخول تحت الكساء فجره صلّى الله عليه وآله منها وقال: إنك على خير، وطرق باب فاطمة عليها السلام مدة طويلة وهو يتلو الآية وقت صلاة الفجر، ويخاطب من في الدار بالآية على مرأى ومسمع جميع المسلمين، لئلا ينكروها بعده.

وقد قال علي عليه السلام والحسن والحسين عليه السلام للصحابة ـ في مواطن عديدة ـ إن الآية نزلت فيهم، وما أنكر عليهم أحد قط.

والآية المباركة نصت على أن الله سبحانه أراد أن يطهر أهل البيت من الرجس.

والرجس هنا ليس النجاسة الظاهرية وإلا فالتنزه عنها مطلوب من كل المسلمين، ثم لو كانت النجاسة الظاهرية هي المقصود لما احتاج النبي صلّى الله عليه وآله إلى كل تلك المراسم والتشريفات، وإلى تلاوتها شهوراً عديدة على باب علي وفاطمة عليها السلام، ولما جَرّ الرداء من أم سلمة وهو يقول: إنك لعلى خير.

فالمراد من الرجس إذن ـ هو التلوث والنجاسة الباطنية، أي ارتكاب الذنوب ومعصية الرب ـ فيكون معنى الآية الشريفة «إن الله أراد أن يكون أهل البيت منزهين مطهرين من ارتكاب الذنوب والمعاصي».

ـــــــــــــــ

(1) كشف الغمة ج5 ص 83 ـ الدر المنثور ج5 ص 199..

------

والإرادة هنا ليست إرادة تشريعية، أي أن الله أراد من أهل البيت أن ينزهوا ويطهروا أنفسهم من الذنوب ـ كلا، لأن هذه الإرادة ليست مختصة بأهل البيت عليهم السلام وإنما تشمل الناس جميعاً، فالمراد إذن ـ هي الإرادة التكوينية.

وقد فسر الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله الآية الشريفة بالعصمة من الذنب أيضاً.

فعن ابن عباس عن النبي: قسم الله الخلق قسمين وجعلني في أفضلهما، فقال (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال) فأنا أفضل أصحاب اليمين. وقسمهم ثلاثة أقسام وجعلني في أفضلها (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون) فأنا أفضل السابقين. ثم قَسَّم الطوائف الثلاث إلى قبائل وجعلني في أفضلها فقال: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فأنا أتقى بني آدم وأفضلهم ولن أفخر بذلك. وقسم القبائل إلى أسر وجعلني في أفضلها فقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) فأنا وأهل بيتي معصومون من الذنب والمعصية.(1).

إشكال:

قال بعضهم: إن الآية خاصة بنساء النبي صلّى الله عليه وآله، وتشبثوا في ذلك بسياق الآية، فالآية واقعة في سياق الخطاب مع نساء النبي صلّى الله عليه وآله، فإن دلت على العصمة فهي ثابتة لنساء النبي صلّى الله عليه وآله ولم يقل بذلك أحد من المسلمين.

الجواب

ذكر العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين هذا الإشكال وأجاب عليه بعدة وجوه: ـ

ـــــــــــــــ

(1) الدر المنثور ج 5 ص 199.

------

الأول: إنه اجتهاد في مقابل النصوص الصريحة والأحاديث المتواترة الصحيحة، وقد سمعت بعضها.

الثاني: إنها لو كانت خاصة في النساء ـ كما يزعم هؤلاء ـ لكان الخطاب في الآية بما يصلح للإناث ولقال عَزَّ من قائل: عنكن، ويطهركنَّ، كما في غيرها من آياتهن، فتذكير ضمير الخطاب فيها دون غيرها من آيات النساء كافٍ في ردهم.

الثالث: إن الكلام البليغ يدخله الاستطراد والاعتراض، وهو كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب العاربة وغيره من البلغاء، وآية التطهير من هذا القبيل جاءت مستطردة بين آيات النساء، فتبين بسبب استطرادها أن خطاب الله لهنَّ بتلك الأوامر والنواهي والنصائح والآداب لم يكن إلا لعناية الله تعالى بأهل البيت «أعني الخمسة» لئلا ينالهم «ولو من جهتهن» لوم، أو ينسب إليهم «ولو بواسطتهن» هناة، أو يكون عليهم للمنافقين «ولو بسببهن» سبيل.

الرابع: أن القرآن لم يترتب في الجمع على حسب ترتبه في النزول بإجماع المسلمين كافة، وعلى هذا فالسياق لا يكافئ الأدلة الصحيحة عند تعارضهما، لعدم الوثوق حينئذٍ بنزول الآية في ذلك السياق(1).

الدليل الثاني:

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا فاطمة، إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك(2).

وبديهي أن ميزان الرضى والغضب عند الله هو الحق، والله لا يرضى بالقبيح ومخالفة الحق، ولو غضب لذلك غيره، كما لا يغضب ـ سبحانه ـ من الفعل الحسن والحق ولو أغضب الآخرين.

ـــــــــــــــ

(1) الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء ص 214..
(2) ينابيع المودة ص 203..

------

ونتيجة ذلك أن الزهراء عليها السلام لابد أن تكون معصومة من الذنب والخطأ، وذلك لأنها لو لم تكن معصومة لما صح قول النبي صلّى الله عليه وآله في حقها، بينما لو كانت معصومة ـ كما هو الحق ـ فإن رضاها وغضبها يوافق الموازين الشرعية دائماً، فهي لا تغضب من الحق ولا ترضى بما يخالف رضا الله.

ونضرب مثلاً لتوضيح المعنى: لو فرضنا أن فاطمة عليها السلام لم تكن معصومة ويصح الخطأ والاشتباه في حقها، فلو تنازعت مع شخص ما على شيء، فمن الممكن أن تطالب بدافع الهوى والاشتباه بغير الحق وخلافاً للواقع، وحينما ينتصر الحق ويغلبها الخصم فقد تغضب عليها السلام لذلك ولا ترضى عليه، فهل يمكن ـ على هذا الغرض ـ أن يقال إن غضبها غضب الله ورضاها رضاه، مع أن الحق لخصمها؟ أبداً لا يمكن أن ينسب هذا الفعل القبيح إلى الله سبحانه.

ويمكن إثبات عصمتها عليها السلام بهذه الرواية أيضاً «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني» (1) ـ رواه الفريقان واعترف به المسلمون جميعاً حتى عمر وأبو بكر.

وكما بينا فيما سبق فإن هذا الحديث يدل على عصمة فاطمة عليها السلام لأن النبي صلّى الله عليه وآله معصوم عن الذنب والخطأ والهوى ويغضب ويرضى لغضب الله ورضاه، فلا يمكن أن يقال: إن النبي صلّى الله عليه وآله يغضب لغضب فاطمة، إلا إذا قلنا بعصمتها عليها السلام عن الذنب والخطأ.

ومن الشواهد الأُخرى على عصمتها عليها السلام قول الصادق عليه السلام: إن فاطمة إنما سميت

فاطمة لأنها فُطِمَتْ من الشر(2).

ـــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري ج 2 ص 203..
(2) كشف الغمة ج 2 ص 89..

-----

إنّ الفارق بين عالم الدنيا وعالم الآخرة ، وفق كلّ دقائق التعابير التي أطلقها أعيان المتألهين ، والحكماء المدققين ، والفقهاء الراسخين هو انّ هذا العالم تغلب فيه الصورة على السيرة ، فمن الممكن ان يكون أحدٌ ما ذئباً في باطنه ، ولكنّ صورته هي صورة انسان سويّ ، فلا تختلف الصور هنا أصلاً.

ولكنّ الوضع سينقلب في الآخرة ، فبعض يقول عنهم الباري عزّ وجلّ : (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) وبعضٌ يقول فيهم : (وجوهٌ يومئذٍ ناضرة إلى ربّها ناظرة).

وهكذا سيظهر وجه من قال : (إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً) عند الحشر بصورة (وجوهٌ يومئذٍ ناضرة...) فـ (ذلك اليوم الحقّ..) و (المُلك يومئذٍ لله...).

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « تُحشر ابنتي فاطمة وعليها حلّة الكرامة قد عجنت بماء الحيوان ، فينظر اليها الخلائق فيتعجبون منها ، ثم تكسى أيضاً من حلل الجنة ألف حُلّة ، مكتوب على كلِّ حلّة بخط أخضر : أدخِلوا بنت محمد الجنّة على أحسن

----

الصورة ، واحسن الكرامة ، وأحسن منظر.. » (1).

من المستحيل ان يتخلّف قانون نظام العدالة في الوجود ، ذلك اليوم ، ولا يمكن ان تكون الصورة التي تعطى للبشر إلاّ انعكاساً لسيرهم في الدنيا ، فيحظى بالصورة الاَجمل والاَكمل والاَمثل من جاء بالسيرة الاَجمل والاَكمل والاَمثل ، فان لم يكن المرء على الصعيد العلمي أفضل العلماء ، وعلى الصعيد الخُلقي أفضل المتخلقين ، وعلى الصعيد العملي أفضل العبّاد ، فمن المستحيل ان يرد يوم القيامة على أحسن صورة..

وليس هذا بكثير على من قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « فاطمة بضعة منّي » (2) « فاطمة روحي التي بين جنبيّ » (3).

وحتى عائشة قد التفتت إلى هذا التشابه العجيب بين حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم وبضعته الزهراء عليها السلام ، إذ قالت : (ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً ، وهدياً ودلاً.. وحديثاً وكلاماً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة كرّم الله وجهها) (4).

والتفتت إلى كرامتها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ روت : (كانت إذا دخلت عليه قام إليها ، فأخذ بيدها ، وقبّلها ، وأجلسها في مجلسه...) (5).

____________

(1) تاريخ دمشق|ابن عساكر 12 : 86. مقتل الحسين|والخوارزمي 1 : 52.
(2) مسند أحمد بن حنبل 4 : 5 و 323 و 328. وصحيح البخاري 5 : 92 و 150. وصحيح مسلم 4 : 1902. وسنن الترمذي 5 : 698. والمستدرك 3 : 154 و 158.
(3) بحار الاَنوار 27 : 63|21 كتاب الاِمامة و 28 : 38|1 كتاب الفتن والمحن.
(4) البخاري 5 : 26 ، 7 : 47. ومسلم 7 : 141. ومسند أحمد 4 : 323 ، 328 ، 332.
(5) سنن الترمذي 5 : 700. والمستدرك 3 : 160.

------ 

فإذا كانت في كلِّ ذلك كذلك ، فحريٌّ بها أن تكون ممن لا يفارق الحق في شيء أبداً ، ولا يكون كذلك إلاّ المعصوم.

وثمّة أدلة اُخرى تهتدي بها إلى مثل هذه النتيجة ، منها :

1 ـ دلالة آية التطهير :

قال تعالى : (إنّما يريد اللهُ ليذهِبَ عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).

وقد تقدم البرهان على أنّها تدلّ على عصمة من تشير إليه ، وقد اتّفق المؤرِّخون والرواة انّ من جملة أهل البيت الزهراء فاطمة عليها السلام بل كان يؤكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبظرف ستة أشهر محتوى هذه الآية المباركة عند مروره للمسجد للصلاة.

2 ـ دلالة حديث الثقلين :

فكما دلّت الآية المباركة السابقة على دخولها في جملة أهل البيت عليهم السلام نستدلّ بذلك على دخولها في هذه الرواية المباركة وقد تقدم البرهان في دلالتها على العصمة ، فتكون مشمولة بالدليل.

3 ـ « إنّ الله ليغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك » (1).

____________

(1) الشافي|السيد المرتضى : 235 الطبعة الحجرية. وتلخيص الشافي|الشيخ الطوسي 3 : 122 ط النجف الاشرف. وأمالي الشيخ الصدوق|الشيخ الصدوق : 230 أول المجلس الحادي والستين. ومعاني الاخبار|باب معنى الشجنة باسناده عن ابن عباس. ومجالس الشيخ المفيد|الشيخ المفيد

------ 

« من آذى فاطمة فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله (1) ».

فتعليق غضب الله على غضبها ، والله هو الحق يقتضي ان يكون غضبها حقّاً ، دائماً وكذلك نقول في الرضا فيقتضي ذلك عصمتها.

وقد يرد في الاَذهان السؤال : إنّ الله يرضى لرضا المؤمن ويغضب لغضبه فهذه خصوصية ليست متعلقة بالزهراء عليها السلام فقط ، فإذن لا تكون دليلاً على العصمة.

ولكن هذا الاشكال يرتفع من أساسه بالتمعن في الحديثين ، لان الغضب الالهي والرضا الالهي متعلّقان بنفس الزهراء بما هي ، أي بذاتها ، لو رضيت على أي حال سيرضى الله ، ولو غضبت غضب ، فبذا يكون غضبها ورضاها مطلقاً صرف الحق.

أما في حديث المؤمن فرضا الباري عزّ وجل متعلِّق برضاه ما دام مؤمناً ، وغضبه متعلّق بغضبه كذلك ، لاَنّ المؤمن بما هو مؤمن لا يرضى ولا يغضب إلاّ لله وما هو حق ، فلذا تعلّق غضب الباري ورضاه بغضبه ورضاه ، وأمّا هو ذاتاً فليس كذلك. أي لا يقتضي الاطلاق بالنسبة إلى

____________

باسناده عن الاِمام الباقر عليه السلام في المجلس الحادي عشر عن أبي حمزة الثمالي. والمستدرك|الحاكم النيسابوري 3 : 154 باب مناقب فاطمة ، وهو صحيح على شرط الشيخين. ومجمع الزوائد 9 : 203 باب مناقب فاطمة عليها السلام. والذخائر|المحب الطبري في ترجمة فاطمة. وأُسد الغابة|ابن الاثير في ترجمة فاطمة. ومجمع البيان|الطبرسي 2 : 453 ورد (إنّ الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها). (1) صحيح البخاري|كتاب بدء الخلق ، باب منقبة فاطمة أورده في محلين كتاب النكاح ، باب ذب الرجل عن ابنته. وصحيح مسلم|كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل فاطمة مسند أحمد 4 : 328. وكتاب الترمذي|الجامع الصحيح 5 : 698 كتاب المناقب فضل فاطمة بنت محمد.

------

الذات ، بل إلى المشتق. بينما في الاَول هو متعلّق بالذات لا بالمشتق.

وهذا فرقٌ جوهري ، فما كان ذاتاً لا يرتفع إلاّ بانعدام الذات ، وأمّا ماكان متعلّقاً بشيء عارض فيمكن ان يرتفع المتعلق لارتفاع العارض.

وهذا واضحٌ بحمد الله تعالى.

وختاماً نقول : إنّ للعصمة ادلّتها المفصَّلة ، بحيث لا يستطيع الاِنسان أن يرفع يده عنها ، مهما أُوتي من جُرأةٍ على مخالفة العقل والكتاب والنّقل ، لوجود اخبار آحادٍ قد لا تفيد ذلك لعلل كثيرة ، أو لاستبعاد العقول القاصرة التي تقيس كلَّ شيء ، على ما يحيطها ، وعلى من هي موجودة فيه.

إذ ليس هذا الاستبعاد إلاّ ظنٌ ، والظن لا يُغني من الحق شيئاً. والظن لايقابل الحُجة الدامغة مهما أوتي من قوّةٍ. فحينئذ يجب ان نرفع اليد عن هذه الظهورات ، ونُسلِّم بما منح الله تعالى قوماً مخصوصين ، لطفاً لهم ولنا ، وتفضيلاً وتفضّلاً ، وكرامة لهم ومزيدا.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله

وآخر دعوانا ، أن الحمد لله رب العالمين