أنا من ذلك النور New Page 2 Nano Nano Made on Update- by MaxPack موقع بضعة الرسول ع

موقع بضعة الرسول ع

أنا من ذلك النور

تهلّل وجه فاطمة فرحاً واستبشاراً بما حدّثها به زوجها من أخبار صلح الحديبية.

لقد اعتدل الآن ميزان الصراع بين الإسلام والجاهلية، وبين التوحيد والشرك، وبين الإيمان والكفر، وبدأ يميل بشكل واضح لصالح الإسلام ورسول الإسلام والمؤمنين بالإسلام. وقالت فاطمة :

ـ إنه والله الفتح المبين،

وهو البشارة الواضحة بالنصر القريب العاجل.

وأحاب عليّ:

ـ لكن المسلمين فهموا من صلح الحديبية غير ما فهمت يا فاطمة حتى لقد قائلهم: ما هذا بفتح ! لقد صدّونا عن المسجد الحرام أن ندخله وعن البيت أن نطوف به. وقال آخر: أو لسنا على الحق؟ فعـلام نُعطى الدنيّة من ديننا؟!( 1 ).

ـ لبئس ما قال هؤلاء، لو أنهم فهموا حقيقة صلح الحديبية لما قالوا الذي قالوه.

ـ والله يا فاطمة قالوا أكثر من ذلك، وجعلوا يردون الكلام لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى قالوا له

أين ما وعدتنا من دخول المسجد الحرام والطواف بالبيت آمنين ؟! ..

وقالوا … وقالوا.

ـ أبلغ الأمر بهم أن ارتابوا بقول رسول الله ؟!.

أرِدّةٌ بعد إسلام أم كفر بعد إيمان ؟! أما علموا أنه رسول الله وأنه لن يخالف أمره وأن الله ولن يضيّعه ؟!

أما قرأوا قوله تعالى ] لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [ ؟ أما آن لهم أن تطمئن قلوبهم لحكمة رسول الله وتسكن نفوسهم إلى أن كلّ ما لديه من الله وإلى الله ؟!

ـ نعم يا فاطمة لقد غضبوا رسول الله وأحزنوا قلبه وعصوا أمره حتى نزل عليه قول ربّه سبحانه وتعالى:

(لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلّقين رؤوسكم ومقصّرين لا تخافون، فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً) الفتح 37

فاستجابوا عندئذ وانصاعوا لأمر رسول الله.

ـ أما والله يا أبا الحسن إن هؤلاء لم ينصاعوا إلا خوفاً من أن ينزل الوحي فيفضحهم ويفصح عن نياتهم وإن لي ولك يا أبا الحسن من هؤلاء لأياماً.

ـ من أرداكِ بذلك يا فاطمة ؟! أحدّثك رسول الله عنهم بشيء؟ كنت أظن سرّاً بيني وبين أخي وحبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يحدّث به أحداً سواري.

ـ اُدن مني أبا الحسن لأحدّثك بما كان وبما هو كائن وبما قدر أن يكون ثم لم يكن إلى القيامة حتى تقوم الساعة.

قام على من فوره دهشاً مما قالت زوجه فدخل على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فإذا به يبادره:

ـ اُدنُ مني أبا الحسن، أتحدّثني أم أحدّثك ؟!

ـ الحديث منك يا أحسن يا رسول الله .

ـ كأني بك وقد دخلت على فاطمة فقالت لك اُدن مني أبا الحسن أحدّثك بما كان وبما هو كائن وبما قدر أن يكون ثم لم يكن إلى يوم القيامة، فرجعت إليَّ ؟!

ـ نعم يا رسول الله، لقد كان ذلك كذلك.

ـ فما رابَكَ من هذا الحديث يا أبا الحسن ؟!

ـ لا والله ما ارتبت بشيء منه يا رسول الله ولكني جئت أسألك أنور فاطمة من نورنا يا رسول الله ؟!

ـ أوما علمت ذلك حتى الآن يا أبا الحسن ؟

سجد عليّ شكراً لله تعالى ثم استأذن رسول الله بالخروج، فلما عاد إلى فاطمة ودخل عليها ثانية بادرته قائلة:

ـ كأنك يا أبا الحسن رجعت إلى أبي لتخبره فأخبرك الخبر ؟!

ـ قد كان كذلك يا فاطمة، ولقد دخل على قلبي من السرو ما لا يعلمه إلا الله فسجدت لله تعالى حمداً وشكراً على هذه النعمة التي حباني بها.

ـ فاعلم يا أبا الحسن أن الله سبحانه وتعالى قد خلق نوري فكان يسبّح الله جل جلاله تحت العرش، ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلما دخل أبي رسول الله الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهاماً أن اقتظت المثرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك ففعل، فأودعني الله تعالى صلب أبي ثم أودعني رحم أمي خديجة بنت خويلد فوضعتني، فأنا من ذلك النور أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن. يا أبا الحسن  المؤمن ينظر بنور الله تعالى( 2 ).

عجب سلمان الفارسي من كل ما سمع ورأى ـ وكان يرافق أبا الحسن ويتبعه كظله وهو ينتقل به بين الزهراء وأبيها ـ وإغرورقت عيناه بالدموع وهو يقول:

ـ لله دركم أهل البيت، أما والله إنكم لعالمون غير معلمين وفاهمون غير مفهمين وإنما أردتم أن يكشف لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن كنه جوهركم المقدس وحقيقة ذواتكم الرفيعة حتى أعرفكم حق المعرفة، فأتْبعكم وأكون معكم ] أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمَّن لا يَهِدّي إلا أن يُهْدى [ يونس: 35.

رجع عليٌّ بذاكرته إلى ذلك اليوم القريب يوم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على أصحابه ـ وعلي بينهم ـ فسألهم أي شيءٍ خير للنساء ؟؟.

وفكر الأصحاب كثيراً بهذا السؤال فلم يهتد أيّ منهم للجواب ولم ينبس أحدٌ منهم ببنت شفة سوى أن قالوا:

ـ الله ورسوله أعلم .

وحينئذ انبرى عليّ فقال:

ـ يا رسول الله إنه خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا هراهن الرجال.

ـ ومن أين لك ذلك يا عليّ ؟ فما ذلك منك ؟

ـ إنما هو من فاطمة يا رسول الله .

ـ ذرّية بعضها من بعض، إن فاطمة بضعة مني( 3 )

تذكّر عليّ ذلك وتذكّر معه أموراً كثيرة لم يكن يلتفت إليها في حينها.

ألم تحدّثه فضة ذات يوم أن امرأة حضرت عند فاطمة عليها السلام فقالت:

ـ يا بضعة رسول الله إن لي أمّاً ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيءٌ فبعثني إليك أسألك.

ـ سلي ما شئت فوا لله ما تسألين عن شيء إلاّ وأجبتك بما هو جواب أبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .

فسألت المرأة وسألت، ثم سالت وسألت: ثم سألت حتى أكترث السؤال وخجلت من كثرة اسئلتها فقالت:

ـ لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله ؟!

ـ هاتي ما عندك وسلي عما بدا لك، فانه لا يشقّ عليَّ الإدلاء بالعلم، وإنما يشقّ عليّ الخجل من السؤال والبقاء على الجهل.

أرأيت امرءاً اكتُريَ يوماً ليصعد إلى سطح بحمل ثقيل أيثقل عليه الحمل وكراه مائة ألف دينار ؟!

ـ لا يا ابنة رسول الله من نقد الأجر لم يثقل عليه الحمل.

ـ وكذلك أنا فقد اكتُريتُ لكل مسالة بأكثر من ملء مابين الثرى إلى العرشِ لؤلؤاً فأحرى بي أن لايثقل علي(4).

ما أكثر ما كانت النساء يدخلن على بنت رسول الله يسألنها ويستفتينها فتجيبهنّ وتفتيهنّ، ويحتكمنَ إليها فتحكم بينهنّ ويختصمنَ بين يديها فتقضي حصوماتهنّ بما أوتيت من العلم والفهم والحكمة وفصل الخطالب.

وتتابع فضة حديها لأبي الحسن فتحدّثه عن امرأتين اختصمتا إلى فاطمة عليها السلام في شيء من أمر الدين تنازعتنا فيه، فلما جلست فاطمة إليهما واستعمت إلى كلّ منهما وجدت إن إحداهما مؤمنة تقول الحق وتشير بالصواب والأخرى معاندة تجادل بالباطل وتماري به عن الحق وتدلي من الحجج ما لم تستطع المؤمنة أن تجد له دفعاً ولا رداً. ففتحت فاطمة عليها السلام على المؤمنة حجتها التي تخصم بها المعاندة فاستظهرت

بتلك الحجة عليها وأبانت للمعاندة وجه للتلبيس في بيانها الذي أدلت بها فأُبْلِسَتْ ولم تحر جواباً بعد ذلك. ففرحت المؤمنة بهذا فرحاً شديداً فلما رأت فاطمة منها ذلك الفرح الشديد والسرور العظيم قالت لها:

ـ لَلْملائكةُ أشد فرحاً منك باستظهارك عليها، وَلَحزنُ الشيطان ومَرَدَتِهِ لانباتها وانكباتها وخزيها أشد من حزنها.

وانطلقت المرأة المؤمنة تشكر فاطمة وتثني عليها الثناء الحسن الجميل.

ويأتيها جواب فاطمة:

ـ أيتها المرأة، إن الله عزَّ وجلَّ أكثر شكراً وأجزل ثناء، ولقد قال لملائكته:

( أوجبوا لفاطمة من الجنان بما فتحت على هذه المؤمنة ألف الف ضعف مما كنت أعددت لها. واجعلوا ذلك سنّة في كلّ من يفتح على مسكين أسير فيغلب معانداً )( 5 ).

ـــــــــــــــ

(1) السيرة الحلبية 3 / 22 ـ السيرة النبوية لزيني دحلان 2 / 211 ـ 212.
(2) عيون المعجزات ص 54 ـ بحار الأنوار 43 / 8 ـ عوالم العلوم والمعارف 11 / 6 ـ 7، وروى الاربلي في كشف الغمة 2 / 84 ـ 85 قول رسول الله: «ان الله تبارك وتعالى خلقني وعليّاً وفاطمة من نور واحد» ومثله ما رواه الإمام أحمد بن حنبل في الفضائل «كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم باربعة آلاف عام، فلما خلق آدم قسم ذلك فيه وجعله جزأين فجزء أنا وجزء علي» . وفي نزهة المجالس 2 / 230 عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي «ان الله خلقني وخلق عليّاً نورين بين يدي العرش نسبح الله ونقدسه قبل أن يخلق آدم بألفي عام ... » الحديث. وفي آخره «ثم افترق النور في عبد المطلب فصار ثلثاه في عبد الله وثلثه في أبي طالب ثم اجتمع النور مني ومن على في فف فالحسن والحسين نوران من نور رب العالمين.
(3) كشف الغمة 2 / 92 ـ المناقب لابن شراشوب 3 / 119.
حلية الأولياء لأبي نعيم 2 / 40 ـ 41 ـ بحار الأنوار43 / 54 و 84، عوالم العلوم والمعارف 11 / 95 ومثله في 11 / 126 ـ 127.
(4) بحار الأنوار 2 / 3.
(5) بحار الأنوار 2 / 8 ـ فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى ص 187.