الكوثر الطيب: ثم جاء الحسين عليه السلام New Page 2 Nano Nano Made on Update- by MaxPack موقع بضعة الرسول ع

موقع بضعة الرسول ع

الكوثر الطيب:.. ثم جاء الحسين

وقبل أن يُتمّ الحسن عامه الأول في حضن والديه عليهما السلام ورعاية جدّه صلّى الله عليه وآله وسلّم وعين الله سبحان وتعالى، بدأت فاطمة تشعر بعلائم ولادة ثانية، وراح البيت النبوي يستعدّ لاستقبال مولدود جديد.

وفيما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيت فاطمة هبط إليه جبرائيل عليه السلام وقال له:

ـ يا محمد إن الله يبشّرك بمولود يولد من فاطمة تقتله أمّتك من بعدك، ويبشّرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والوصاية إلى يوم القيامة.

افترّ ثغر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن ابتسامة باهتة وفرّت من عينيه دمعات، فعجبت فاطمة من ابتسامة أقرب إلى البكاء ونظرت إلى أبيها كأنها تستوضحه فقال:

ـ بنيّة هذا أخي جبرائيل قد بشّرني أنك تلدين مولوداً.

فابتسمت فاطمة .

ـ وقال أن أمّتي تقلته من بعدي.

فاغتمّت فاطمة واغرورقت عيناها بالدموع.

ـ وأن الله جاعل في ذرية ولدك هذا الإمامة والولاية والوصاية إلى يوم القيامة.

فاستبشرت فاطمة وللمت دموعها وحمدت الله سبحانه وسلّمت أمرها وأمر ولدها إليه( 1 ).

واستغربت أم سلمة كلّ ذلك وعجبت له وقالت:

ـ عجباً لمولود يبكيه أهل قبل ومولده.

نعم عجباً لمولود يبكيه أهله قبل مولده ثم تبكيه الدنيا كلّها سماواتها وأرضها وناسها أبد الدهر بعد ذلك.

صلّى النبي الصبح في مسجده وصلّى المسلمون خلفه حتى إذا سلذم رفع يديه يجأر إلى الله تعالى بالدعاء والابتهال وراح المسلمون يهلّلون ويكبّرون ويسبّحون الله تعالى ويقدّسونه ويحمدونه على نعمائه ويستغفرون لذنوبهم إلى أ، أشرقت الشمس بنور ربّها وأطلّ على الكون نهار جديد، وقام النبيّ من مجلسه عائداً إلى بيته.

وفيما النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عند زوجته أم سلمة هرع إليه جيران مولاته أم أيمن يخبرونه أن أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء. فأرسل إليها فجاءته وقد هدّها السهر وبرّج بها البكاء فبادرها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم :

ـ لا أبكى الله عينك يا أم أيمن، إن جيرانك أتوني فقالوا أنك لم تزالي الليل تبكين، ففيم هذا البكاء ؟

ـ يا رسول الله، رأيت رؤيا عظيمة شديدة أفزعتني وأقلقتني وأقضّت مضجعي وأحزنت قلبي، فلم أزل أبكي الليل أجمع.

ـ قصّيتها عليٍّ.

ـ يَعْظُم علىَّ أن أتكلم بها يا رسول الله ويلجمني الخوف من تلك الرؤيا.

ـ سرّي عن نفسك يا أم أيمن وهدّئي من روعك فإن الرؤيا ليست على ما تُرى، وإن الله ورسوله أعلم بها فقصّيها.

ـ أقرّ الله عينك يا رسول الله ولا أراك ما تكره.

لقد رأيت في ليلتي كأن بعض أعضائك ملقىً في بيتي.

ـ نامت عينك ورأيت خيراً يا أم أيمن. تلد ابنتي فاطمة سيّداً فترينه في بيتك وتلينه فيكون بعض أعضائي في بيت( 2 ).

انطلقت أم أيمن مستبشرة مسرورة وقد سُرّي عن فؤادها وزال الكابوس الثقيل عن صدرها وراحت تراقب سيّدتها فاطمة الزهراء وتنتظر ولادة ذلك السيّد بفارغ الصبر.

وحلّ مساء الخامس من شعبان للعام الرابع للهجرة ( العاشر من كانون الثاني سنة 262 ميلادية ) واستقبلت المدينة المنورة الولود الجديد.

وحملته أم أيمن بين يديها وأسرعت به إلى رسول الله تبشّره فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم :

ـ مرحباً بالحامل والمحمول

هذا تأويل رؤياك يا أم أيمن

هلمّي إليَّ ابني.

ـ إنا لم ننظفه بعد يا رسول الله .

ـ أأنت تنظفينه يا أم أيمن ؟!

إن الله تبارك وتعالى قد طهّره ونظّفه( 3 ).

أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين يديه المباركتين المولود الجديد، ولفّه بخرقة بيضاء ثم أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى كما فعل بأخيه الحسن.

ثم ما لبث أن هبط جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مهنئاً ومباركاً وقال:

ـ إن الله العليّ الأعلى يأمرك يا محمد أن تسميه باسم الابن الثاني لهارون.

ـ وما كان اسمه يا جبرائيل ؟.

ـ شبير بلسانه العبري والحسين بلسانك العربي.

ـ فليكن شبير وليكن الحسين( 4 ).

أخذ رسول الله الحسين فجعل لسانه صلّى الله عليه وآله وسلّم في فمه فجعل الحسين يمص لسان رسول الله( 5 ).

وجعل رسول الله يأتيه فليقمه لسانه أو إصبعه فيمصّ الحسين ما يكفيه اليومين والثلاث حتى نبت لحمه واشتدّ عظمه من لحم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ودمه ولو يرتضع الحسين من أمّه ولا من أية امرأة أخرى( 6 ).

وفي السابع عقّ عنه رسول الله بكبشين أملحين وحلق شعر رأسه وتصدّق بوزنه فضة وطلى رأسه بالطيب كما فعل بأخيه الحسن من قبل.

ـــــــــــــــ

(1) الكافي للكليني 1 / 464.
(2) أمالي الصدوق ص 57 ـ 76. بحار الأنوار 43 / 242 ـ 243 وفيه: (( أن أم الفضل بنت الحرث قد رأت أيضاً مثل هذا المنام قبل ولادة الحسن وقال لها النبيّ مثلما قال لأم أيمن )) والله أعلم.
(3) بحار الأنوار 43 / 234 وفيه ان صفيه بنت عبد المطلب هي التي قالت ذلك.
(4) بحار الأنوار 43 / 241 عن معاني الأخبار وعلل الشرائع للصدوق.
(5) بحار الأنوار 43 / 143.
(6) رواه الكليني في الكافي 1 / 465 والمجلسي في بحار الأنوار 43 / 245 نقله عن علل الشرائع للصدوق.
وعبّر السيد بحر العلوم عن هذا الحديث شعراً فقال:
لله مرتضع لم يرتضع أبداً

من ثدي أنثى ومن طه مراضعه

يعطيه إبهاماً آناً وأونةً

لسانه فاستوت منه طبائعه