المدرسة التربوية New Page 2 Nano Nano Made on Update- by MaxPack موقع بضعة الرسول ع

موقع بضعة الرسول ع

المدرسة التربوية

بيت الزهراء عليها السلام مدرسة إسلامية تربوية للطفل المسلم.

مديرتها المرأة الأولى في الإسلام، الصدّيقة فاطمة عليها السلام.

ومعاونها عليّ بن أبي طالب عليه السلام ـ ثاني رجل في الإسلام ـ وبإشراف مباشر من الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله.

ومناهجها تنزيل من ربّ العالمين.

وخريجوها خيرة البشرية وقدوة الإنسانية.

وهنا لابدّ من الاعتراف ـ وللأسف الشديد ـ بأن التاريخ لم يسجّل لنا مفردات المنهج القويم، وذلك لأسباب منها:

أولاً: لأنّ المسلمين في ذلك العصر لم يكونوا بمستوى من الرشد

[69]

والوعي تؤهّلهم للاهتمام بالتربية والمناهج التربوية، فلم يراقبوا جزئيات سلوك النبيّ صلّى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام وفاطمة، قولاً وفعلاً مع أبنائهم، كي يرووها للأجيال القادمة.

وثانياً: إنّ أكثر البرامج التربوية للطفل تطبق داخل البيت، وفي مثل هذه الحالة يكون الستار مسدولا بوجه الآخرين غالباً.

ولكن يمكن القول إجمالا أنّ مناهج الزهراء عليها السلام في التربية هي نفسها مناهج الإسلام الواردة في القرآن الكريم وأحاديث النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، ومع هذا فإنّ الشذرات القليلة المروية يمكن ـ إلى حدّ ما ـ أن تكشف لنا عن مَنْحاهَمْ التربوي.

وجدير بالذكر، أنّنا الآن لسنا بصدد بيان الأصول والمناهج التربوية بشكل مفصّل، لأنّ المقام لا يسع هذا التفصيل، ولكن نشير باختصار إلى ما ورد من أخبار عمّا كانت الزهراء تفعله ـ كمناهج للتربية ـ مع أبنائها.

الدرس الأول: الحبّ والموّدة:

قد يتخيل البعض أن فترة التربية تبدأ في حياة الطفل حينما يبدأ بالتمييز بين الجيّد والرديء، والحسن والقبيح. ولا ثمرة للتربية قبل هذا الحين، باعتباره لا يدرك شيئاً عن محيطه الخارجي وبيئته.

وهذا الرأي واضح الفساد، لأنّ علماء التربية يؤكدّون أنّ ما يجري من أحداث ووقائع في بيئة الطفل أيّام الطفولة المبكرة، وكذلك طريقة تعامل الأبوين، وكيفية الرضاعة، كلّها تؤثر ـ بشكل وآخر ـ تأثيراً ملحوظاً على الطفل وبناء شخصيته في المستقبل.

وقد ثبت لدى علماء النفس والتربية أنّ الطفل يحتاج أكثر ما يحتاج في فترة الطفولة المبكرة والمتأخرة إلى الشعور بحبّ الآخرين واهتمامهم به، ويلمس حبّ أمّه وأبيه وتعلّقهما به، ولا يهمّه بعدها أن يعيش في قصر مشيّد أو كوخ خاوٍ، ويلبس الشفوف أو الثياب المهللة، ويأكل ما لذّ وطاب أو لا

[70]

يأكل، ما دام يستشعر الدفء، والعطف والحنان الذي يُشبع إحساسه الداخلي، ويتدفق فيه ينبوعاً أخلاقياً فاضلاً يمدّه في مستقبل عمره ويقوّم شخصيته.

صدر الأم الرؤوم وحضنها الدافئ، وحبّ الأب الخالص وعطفه الشغيف، يفجران فيه ينابيع الخير، وروح التعاون، وحبّ الآخرين ومساعدتهم.

هذه المودّة تنجيه من الضعف وخوف الوحدة، وتمنحه الأمل في الحياة.

هذه القبلات الصادقة والمحبة العميقة الصافية، تزرع فيه بذور الخير والعادات الطيّبة، وتفتح أمامه آفاق النشاط الاجتماعي والتعاون وخدمة الآخرين، وتهديه نحو السعادة، وتنتشله من الاعتزال والهروب من الواقع.

هذا الحبّ يشعر الطفل بشخصيته واستحقاقه للحبّ والحياة.

وعلى العكس تماماً ينشأ الطفل المحروم من الحبّ والحنان خائفاً في الغالب، خجولاً، ضعيفاً، متشائماً، معتزلاً، خاملاً، كئيباً؛ وقد يشبّ مريضاً هزيلاً لا يقوى على شيء، ويحاول ـ من خلال ردود فعل خطيرة ـ إثبات استغنائه عن المجتمع، فيرتكب الجرائم، كالسرقة والقتل لينتقم من المجتمع الذي حرمه الحبّ والحنان واللمسة الرقيقة، ليفهم الجميع أنّه ليس بحاجة لحبّهم الذي بخلوا عليه به.

فالحبّ والحنان ـ إذن ـ من الحاجات الضرورية في تربية الطفل، وقد طُبّق هذا الدرس بدقة متناهية في بيت الزهراء عليها السلام، والرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله علّمه لابنته عملياً، فقد روي عن جابر أنّه قال: لمّا حملت فاطمة بالحسن فولدت، وقد كان النبيّ صلّى الله عليه وآله أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء، فلفّوه في صفراء، فجاء النبيّ صلّى الله عليه وآله فأخذه وقبّله، وأدخل لسانه في فيه، فجعل الحسن عليه السلام يمصّه، ثم قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله: ألم أتقدم إليكم أن لا

[71]

تلفّوه في خرقة صفراء، فدعا صلّى الله عليه وآله بخرقة بيضاء فلفّه فيها ورمى بالصفراء.

فلمّا ولد الحسين جاء إليهم النبيّ صلّى الله عليه وآله ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام(1).

وروي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يصلّي يوماً في فئة والحسين صغير بالقرب منه، فكان النبيّ صلّى الله عليه وآله إذا سجد جاء الحسين فركب ظهره ثم حرّك رجليه، وقال: حل حل، فإذا أراد رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يرفع رأسه أخذه فوضعه إلى جانبه، فإذا سجد عاد على ظهره وقال: حل حل، فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبيّ صلّى الله عليه وآله من صلاته. فقال يهوديّ: يا محمد! إنّكم لتفعلون بالصبيان شيئاً ما نفعله نحن. فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله أمّا لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله، لرحمتم الصبيان. قال: فإنّي أؤمن بالله ورسوله. فأسلم لما رأى كرمه صلّى الله عليه وآله مع عظم قدره(2).

وذات يوم كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يقبل الحسن والحسين عليهما السلام، فقال الأقرع بن حابس: إنّ لي عشرة، ما قبّلت واحداً منهم قطّ. فغضب رسول الله صلّى الله عليه وآله حتى التمع لونه، وقال للرجل: إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك فما أصنع بك؟! من لا يرحم صغيرنا ولا يعزّز كبيرنا فليس منّا(3).

وروي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله مّر على بيت فاطمة عليها السلام فسمع الحسين يبكي، فقال: ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني(4).

وعن أبي هريرة:خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرّة وهذا مرّة حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله إنّك لتحبّهما؟ فقال: من أحبّهما فقد

ـــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار ج 43 ص 240.
(2) بحار الأنوار 43 ص 296.
(3) بحار الأنوار ج 43 ص 282.
(4) بحار الأنوار ج 43 ص 295.

[72]

أحبّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني(1).

وروي أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كان يقول لفاطمة عليها السلام: ادعي لي إبنيّ، فيشمّهما ـ كما يشم الوردة العطرة ـ ويضمّهما إليه(2).

وعن أبي هريرة قال: رأيت النبيّ صلّى الله عليه وآله يمصّ لعاب الحسن والحسين كما يمصّ التمرة(3).

الدرس الثاني: تنمية الشخصية:

قال علماء النفس: لابدّ للمربّي من أن ينشئ الطفل على الثقة بالنفس والاحترام وعلوّ الهمة، ويشعره بشخصيته وكينونته، ليبتعد عن الأعمال الشريرة ولا يركع للأيام ولا يخضع للذلّ والهوان. وبالعكس لو احتقره المربّي ولم يحترمه وحطّم شخصيته، فإنّه يشبّ جباناً يعيش الهزيمة في داخله، ولا يشعر بقيمة لنفسه ولا يثق بها ولا يقدم على الأعمال الكبيرة، لأنّه يتخيّل الضعف وعدم القدرة عليها. والأشخاص من هذا القبيل لا يكون لهم دور في الحياة والمجتمع، ولا يتركون بصماتهم على الأيّام، وسرعان ما يركعون للذلّ والهوان، ويستسلمون للمصاعب.

وقد أوصى علماء النفس بجملة وصايا للمربّين نذكر منها اثنتين:

أولاً ـ إحاطة الطفل بالحبّ والحنان وإظهار الاهتمام به. وقد ذكرنا هذه النقطة في الدرس الأول، وقلنا هناك: إنّ الحسن والحسين كانا يرضعان الحبّ والحنان الكافيين من أمّهما، ويلمسانهما من جدّهما وأبيها.

ثانيا ـ لابدّ من تشجيع الطفل على الصفات الحميدة والتأكيد عليها بذكرها أمامه وأمام الآخرين، وتعليمه على القوّة والعصامية في شخصيته.

ـــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار ج 43 ص 281.
(2) بحار الانوار ج43 ص299.
(3) بحار الأنوار ج 43 ص 299.

[73]

وقد قال الرسولصلّى الله عليه وآله مراراً: إنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما(1).

وقال صلّى الله عليه وآله: الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا(2).

وروي عن أبي بكر قال: سمعت النبيّ صلّى الله عليه وآله على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرّة وإليه مرّة، وقال: إنّ ابني هذا سيّد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين(3).

وعن جابر قال: دخلت على النبيّ صلّى الله عليه وآله والحسن والحسين عليهما السلام على ظهره وهو يجثو لهما ويقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما(4).

وعن يعلي العامري، أنّه خرج مع رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى طعام دعي إليه، فإذا بحسين يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبيّ صلّى الله عليه وآله أمام القوم، ثمّ بسط يديه فوثب الصبيّ هنا مرّة وهنا مرّة، وجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت قفاه ووضع فاه على فيه وقبّله، ثم قال: حسين مني وأنا منه، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط(5).

وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول للحسن والحسين عليهما السلام: أنتما إمامان بعقبي، وسيدا شباب أهل الجنة، والمعصومان، حفظكما الله ولعنة الله على من عاداكما(6).

أتت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله بابنيها الحسن والحسين عليهما السلام إلى

ـــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار ج 43 ص 264.
(2) بحار الأنوار ج 43 ص 281.
(3) بحار الأنوار ج 43 ص 305.
(4) بحار الأنوار ج 43 ص 285.
(5) بحار الأنوار ج 43 ص 271.
(6) بحار الأنوار ج 43 ص 265.

[74]

رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله هذان ابناك فورّثهما شيئاً، فقال: أمّا الحسن فإنّ له هيبتي وسؤددي، وأمّا الحسين فإنّ له شجاعتي وجودي(1).

وعن سلمان الفارسي قال: كان الحسين عليه السلام على فخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يقبّله ويقول: أنت سيّد ابن السيد أبو السادة، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة، أنت الحجة ابن الحجة أبو الحجج التسعة من صلبك، وتاسعهم قائمهم(2).

نعم هكذا كان الرسول صلّى الله عليه وآله يكبر الطفل ويحترمه، ولا يحتقره أمام الآخرين ليتصاغر وتتهاوى شخصيته، وتبعه على ذلك ـ أيضاً ـ علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام، ولهذا كان نتاج تربيتهم سادات البشر وكبرائهم.

روي أنّ رجلاً أذنب في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله فتغيب حتى وجد الحسن والحسين عليهما السلام في طريق خالٍ، فأخذهما، فاحتملهما على عاتقه، وأتى بهما النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، إنّي مستجير بالله وبهما، فضحك رسول الله صلّى الله عليه وآله حتى ردّ يده إلى فمه، ثمّ قال للرجل: اذهب فأنت طليق. وقال للحسن والحسين : قد شفّعتكما فيه أي فتيان(3).

لهذا تربّى الحسين عليه السلام كبير النفس، عظيم الهمّة، فوقف مع صحبه المعدودين بوجه جيش يزيد وحاربهم بقوة واقتدار ولم يستسلم للذلّ والهوان، وإنّما قال: والله لا أعطيكم بيديّ إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد(4).

ومن ثمار هذه التربية زينب عليها السلام ـ جبل الصبر و الصمود ـ التي تحدت يزيد وأذنابه الظالمين، وكشفت دسائس النظام الحاكم السفّاك، بخطبها في الكوفة والشام، ولم تهن ولم تنكل ولم تنهزم أمام الطغاة.

ـــــــــــــــ

(1) بحار ج 43 ص 263.
(2) بحار ج 43 ص 295.
(3) البحار ج 43 ص 318.
(4) مقتل أبي مخنف ص 46.

[75]

الدرس الثالث: الإيمان والتقوى:

اختلف العلماء في السنّ المناسبة لتلقي المفاهيم والعقائد الدينية:

فمنهم من قال: إنّ الطفل لا يستوعب هذه الأفكار إلاّ بعد اجتياز مرحلة البلوغ والرشد.

ومنهم من قال: إنّ المربّي يمكنه أن يصوغ الأفكار والعقائد الدينية ويصبّها في قوالب سهلة جزلة يستأنس بها الصبيّ ويتقبّلها، ويكلّف ببعض الأعمال الخفيفة السهلة ليشبّ عليها، حتى إذا ما ناهز سنّ البلوغ كان قد تعودّها من قبل وليست غريبة عليه.

والإسلام يأخذ بالاتجاه الثاني، ويأمر أتباعه أن يمرّنوا الأطفال على الصلاة من سنّ السابعة (1)، والرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله لقّن التعاليم الدينية ـ في بيت الزهراء عليها السلام ـ منذ لحظات الطفولة الأولى والرضاعة، عندما ولد الإمام الحسن عليه السلام أذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ولمّا ولد الحسين عليه السلام جاء النبي صلّى الله عليه وآله، ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام(2).

وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان في الصلاة والى جانبه الحسين بن على فكبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فلم يحر الحسين التكبير، ولم يزل رسول الله صلّى الله عليه وآله يكبّر ويعالج الحسين التكبير ولم يحر حتى أكمل سبع تكبيرات، فأحار الحسين التكبير في السابعة(3).

فالرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله كان يولي هذا الإيحاء والتلقين الروحي أهمية كبيرة منذ لحظة الولادة. فأذّن وأقام في إذني الحسن والحسين عليه السلام ليكون ذلك درساً للمربّين.

والزهراء عليها السلام أيضاً كانت تلاعب الحسن عليه السلام وترقّصه وتقول:

ـــــــــــــــ

(1) الشافي ج2 ص 149.
(2) بحار ج43 ص 241.
(3) بحار ج 43 ص 307.

[76]

 

واخلع عن الحق الرسن

اشبه أباك يا حسن

ولا توال، ذا الإحَن (1)

واعبد إلهاً ذا منن

 

ولو أمعنا النظر في هذين البيتين لوجدناهما يحتويان على نكات أربعة مهمّة لقّنتها الزهراء عليها السلام لابنها:

1 ـ كن كأبيك عبداً لله، شجاعاً.

2 ـ اعبد الله وحده.

3 ـ دافع عن الحق.

4 ـ لا توال ذا الإحن.

وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يهتمّ اهتماماً بالغاً بالتقوى المالية، ويراقب أبناءه ويحاذر عليهم من أيّ طعام فيه أدنى إشكال أو شبهة.

ففي رواية عن أبي هريرة: إنّ النبيّ أتي بتمر من تمر الصدقة، فجعل يقسمه، فلما فرغ حمل الصبيّ وقام، فإذا الحسن في فيه تمرة يلوكها، ففطن له رسول الله صلّى الله عليه وآله فأدخل إصبعه في في الصبيّ فانتزع التمرة ثمَ قذفها، وقال: إنّا آل محمد لا نأكل الصدقة(2).

هذا، مع أنّ الإمام الحسن عليه السلام بعد صبيّ لم يبلغ الحلم ولم يكلف، ولكنه صلّى الله عليه وآله يعلم أنّ الأكل الحرام يؤثر تأثيراً موضوعياً على روح الطفل. وينبغي أن يعرف الطفل منذ سنّيه الأولى أنّ هناك حراماً وحلالاً وقيوداً في الأكل.

بالإضافة إلى أنّه صلّى الله عليه وآله أكّد شخصية الإمام الحسن عليه السلام وطيب منبته، فالزكاة حق المحرومين، وليس لمثل الحسن عليه السلام أن يأكل منها.

وهكذا خلط صلّى الله عليه وآله العظمة والشرف وأشربهما في ولد الزهراء عليها السلام

ـــــــــــــــ

(1) بحار ج 43 ص 286.
(2) ينابيع المودة ص 46 وبحار الأنوار ج 43 ص 305..

[77]

فوقفت أمّ كلثوم ذلك الموقف الذي حكى صنع جدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله في الكوفة فكانت تأخذ الخبز والتمر والجوز من أيدي الأطفال وترميها، وهي تقول: يا أهل الكوفة، إنّ الصدقة محرّمة علينا أهل البيت(1).

الدرس الرابع: الالتزام بالنظم ورعاية حقوق الآخرين:

من الأمور التي ينبغي للوالدين والمربّين جميعاً الالتفات إليها، هي مراقبة الطفل مراقبة دقيقة، لكي لا يتجاوز على الآخرين، وكي يحترم حقوقهم، ويتعلم النظم في شؤون حياته، ولا يعجز عن استرداد حقوقه، ولا يبخس الناس أشياءهم.

والأبوان يربّيانه على هذا الخلق من خلال تعاملهم مع أبنائهم ـ في البيت ـ معاملة صادقة عادلة، لا ظلم فيها لأحد، ولا يؤثران بعضهم علي بعض، ولا يفرقان بين الولد والبنت، والصغير والكبير، والجميل والقبيح، والذكيّ والغبيّ، في التودد والتحبب إليهم، كي لا تنمو بذور الحقد والحسد والغيرة، فيدخلوا المجتمع بحسن التجاوز والاعتداء.

فالطفل الذي تراعى في بيته حقوق الأفراد، يعرف أنّه عليه احترام حقوق الآخرين في الخارج، وعلى العكس إذا ما كان البيت تسوده الفوضى والتفرقة، فإنّه سوف يتربّى على الاعتداء والتجاوز وظلم الآخرين.

ولو أنّ طفلاً تجاوز أثناء دخوله أو خروجه من المدرسة، أو ركوبه في السيارة، أو في حانوت الخبّاز، أو أيّ مكان آخر على حق صاحبه وأخذ نوبته، وسكت عنه والداه أو مربّيه فإنهم بسكوتهم يخونون الطفل المعصوم، حيث أنّه يتصوّر أنّ القوة والتعدي نوع من أنواع الشطارة والفن، فإذا ما دخل المجتمع، أو تصدى لمسؤولية ما، فإنّه سيظلم ويتعدى ويسحق حقوق الآخرين، ولا يفكر إلاّ بمصلحته.

ـــــــــــــــ

(1) مقتل أبي مخنف ص 90.

[78]

وقد نفّذ هذا الدرس بدقة في بيت الزهراء عليها السلام، ونذكر الرواية التالية كنموذج:

عن علي عليه السلام قال: رأينا رسول الله صلّى الله عليه وآله قد أدخل رجله في اللحاف أو في الشعار، فاستقى الحسن عليه السلام فوثب النبي صلّى الله عليه وآله إلى منيحة لنا فمصّ من ضرعها فجعله في قدح ثمّ وضعه في يد الحسن، فجعل الحسين عليه السلام يثب عليه ورسول الله صلّى الله عليه وآله يمنعه، فقالت فاطمة: كأنّه أحبّهما إليك، يا رسول الله؟ قال: ما هو بأحبّهما إليّ، ولكنّه استقي أوّل مرّة، وإنّي وإيّاك وهذين وهذا المنجدل يوم القيامة في مكان واحد(1).

الدرس الخامس: الرياضة واللعب:

يوصي علماء التربية أن يترك الأطفال لحالهم في إختيار اللعب التي يهوونها، وعلينا أن نوفّر لهم الوسائل السليمة. وقد تنبه أخيراً ـ ما يسمّى بالعالم المتمدن ـ لهذه الحقيقة فوفّروا ألعاباً مسلية سليمة في دور الحضانة، والمدارس الابتدائية والثانوية بما يناسب مراحلهم وأعمارهم؛ وصاروا يشجعونهم على الألعاب الجماعية، لما لهذه الألعاب من تأثير عميق على رشد أجسادهم وأرواحهم.

يتوقع بعض الناس من الأطفال أن يتصرفوا كما لو كانوا كباراً، ويمنعونهم من اللعب ويحاسبونهم على تصرفاتهم الطفولية، ويسمّون هذا تربية. فإذا كان الطفل لعوباً حركاً اتهموه بسوء الأدب، وإذا كان منزوياً خاملاً لا يلعب ولا يتحرك امتدحوه وشجعوه على سكونه وهدوئه!!.

لكن علماء النفس يعدّون هذا خطأً كبيراً، ويعتبرون سكون الطفل وخموله دليلاً علي مرضه روحياً وفسيولوجياً، علي أن لا يكون لعبه مضراً به أو مزاحماً للآخرين.

بل على الأبوين أن يتصابوا لهم ويلاعبوهم في أوقات فراغهم، لأنّ

ـــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار ج 43 ص 283.

[79]

الطفل يستشعر الحبّ في ذلك، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يلعب مع الحسن والحسين عليه السلام كما روي عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أخذ بيديه جميعاً بكتفي الحسن والحسين، وقَدَماهما على قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقال: ترقّ عين بَقّة. قال: فَرَقا الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلّى الله عليه وآله ثم قال له: افتح فاك ثمَّ قبّله، ثمّ قال: اللّهم أحبّه فإنّي أُحبّه(1).

وعن أبي هريرة أيضاً قال: اصطرع الحسن والحسين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله إيهاً حسن، فقالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله تقول: إيهاً حسن، وهو أكبر الغلامين. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله أقول: إيهاً حسن، ويقول جبرئيل: إيهاً حسين(2).

وعن جابر قال: دخلت على النبي صلّى الله عليه وآله والحسن والحسين عليه السلام على ظهره، وهو يجثو لهما ويقول: نِعْمَ الجمل جملكما ونِعْمَ العَدْلان أنتما(3).

وعن الرضا عليه السلام عن آبائه قال: إنّ الحسن والحسين عليه السلام كانا يلعبان عند النبيّ صلّى الله عليه وآله حتى مضى عامّة الليل، ثمّ قال لهما: انصرفا إلى أمّكما، فبرقت برقة في السماء فما زالت تضيء لهما حتى دخلا على فاطمة عليها السلام والنبيّ صلّى الله عليه وآله ينظر إلى البرقة، فقال: الحمد لله الذي أكرمنا أهل البيت(4).

ـــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار ج 43 ص 286.
(2) بحار ج 43 ص 265.
(3) بحار ج 43 ص 285..
(4) بحار ج 43 ص 266